
HAKAIA Worldwide is a popular online newsportal and going source for technical and digital content for its influential audience around the globe. You can reach us via email or phone.
+(785) 238-4131
hakaia.latifa@gmail.com
عن نص وإخراج لهشام سويدان قدّمت فرقة مشعل رمّان مساء الخميس بالمسرح البلدي عرضا لمسرحية "حمام الهنا" ومن خلال المعلّقة أدركنا منذ البداية أننا على أهبة الدخول لمجتمع ذكوري بامتياز فالشخصيّات تظهر ببرنس الحمام علاوة على خلوّ الجذاذة الفنية من اسم أنثوي سواء على مستوى الفكرة والإخراج والتمثيل وحتى السينوغرافيا والموسيقى...
في العرض وجد الجمهور نفسه في حمام شعبي حيث مجموعة من الرجال تلتقي بالصدفة لغرض واحد: تخليص الجسد من التشنجات، نحن إذن أمام أجساد مرهقة تبحث عن الراحة وأرواح معطوبة تنشد التطهّر، لم يبدأ الرجال الخمس بالكلام كمنطوق نتعرّف من خلاله على الحالة الاجتماعية أو العاطفية وإنما بحركات جسديّة تعكس جملة من الانفعالات والأحاسيس المتضاربة التي تتخبّط فيها هذه الأرواح التي تنوء بحمل الأجساد المُثقلة وهي لغة تجاوزت في مدلولاتها المنطوق في التعبير عن القهر والعجز وكلّ احباطات الراهن بحركات وإيماءات تترجم الفعل الداخلي كأبلغ ما يكون مع موسيقى متحرّكة متحوّلة منسجمة مع كلّ جزئية في العرض .
كل الشخصيّات كانت ببرنس الحمام إلا واحدا كان ينتعل حذاء عسكريّا وسترة مقاومة للرصاص، الإضاءة متناغمة مع المكان الذي احتلّته دكّة على اليمين وأخرى على الشمال، لونان فقط على الركح هما الأبيض والأسود وكأننا بالمخرج يعلمنا بأن هذه الشخصيّات بصدد اختيار مصيرها إما أن تكسر مع ماضيها وإرهاصاته وإما أن تظلّ في ذلك السواد الذي يلفّ أرواحها... وقبل أن تمرّ من السواد إلى البياض عليها أن تتطهّر من الدّاخل لأن بخار الحمام يهيّج المشاعر لكنّه لا يعد بجسد نظيف لذلك كان لا بدّ من المرور إلى مرحلة البوح، وهو الجزء المحكي من العرض وباعتبارها شخصيّات التقت بالصدفة لم يكن الحوار تقليديّا وإنّما بمثابة إشارات تصرخ بالوجع وعمق الهزيمة، جُمل مفكّكة تبدأ بصراخ رضيع شكّل مأساة رجل لا أحد اهتمّ بما يريد ومن يكون دائما هناك من يقرّر عنه مصيره فصار يكبر والبشاعة تكبر بداخله إلى أن انتهى مسخا مشوّها لا يشبهه، وآخر يبكي على طفولة ضائعة يحتضن دمية قماش أجبره المجتمع الذكوري على خوض معركة الرجولة بما تعنيه من تسلّط وقوّة وخشونة إلى أن قتلوا الطفل الذي بداخله وصار لا يسمع سوى تلك الأصوات المسمومة التي تناديه، كان الآخر فتى أحلام أي امرأة لكنّه عندما أحب وتزوّج من مهندسة لم يستطع السيطرة على عقدة أنها "هي فوق وهو تحت" وهو وضع يتناقض مع المفهوم الذكوري "الطّالع من الوسخ"... وعلى إيقاع غناء أشبه بالنّحيب تأتي مأساة الآخر الذي تعرّض للاعتقال والتّعذيب وإهانة جسديّة استحال بعدها الإحساس بذلك "التفوّق" الرجولي، أما الرجل صاحب الحذاء العسكري والمسدّس والذي كانت تأتمر كتيبة كاملة بأوامره متحكّما مسيطرا مزهوّا بكلّ علامات "الرجولة الكاملة" فقد كانت الطلقة التي أصابت رجله وحوّلته إلى أعرج كافية بإخراجه من تلك الصومعة وأنهت حياته رغم توجيهه إلى العمل الإداري في التحقيق مع المجرمين والقتلة واعتبر انه صار "جسدا بلا روح"... ومع ذلك ظلّ هو الوحيد الذي لم يخلع نعله ولا سترته الواقية وسرواله الكاكي فالسّلطة لا تتعرّى أمام العامّة.
هذا التراكم قاد إلى اكتشاف العوالم الداخلية للشخصيّات فأخرجت ما يستبطن في لاوعيها من أشكال التعاطي مع الأسرة والمؤسسة الزوجية والأمنيّة أو العسكريّة باحثة في هذا السياق بجرأة عن معنى الرجولة في سياق اجتماعي يتخبّط بدوره في الهزيمة لأنه لم يبني منذ البداية أسسا متينة.
"حمام الهنا" لم تُكتب بحبكة دراميّة متسلسلة واضحة مما جعلها تتجه نحو منحى تجريبي حداثي، كما كانت الإضاءة عنصرا أساسيّا من عناصر سينوغرافيا هذا العرض من حيث تنقّلها من حالة إلى أخرى تُسند المنطوق والدلالات الجسدية للعب الممثّل فكانت ألوانها تعمل على خلق حالة مرئيّة أشبه بمرآة عاكسة لحالات وتحولات الشخوص.
"حمام الهنا" فكرة وإخراج وسينوغرافيا هشام سويدان أداء كل من سيف مشابقة وكريم كرم وأحمد إسماعيل ويزن عيد ومثنى الزبيدي وعمر أبو غزالة موسيقى عامر عبد الله.