
HAKAIA Worldwide is a popular online newsportal and going source for technical and digital content for its influential audience around the globe. You can reach us via email or phone.
+(785) 238-4131
hakaia.latifa@gmail.com
يقدّم المخرج مهند كريم في مسرحيته المقتبسة عن رواية «جرّ محراثك فوق عظام الموتى» للروائية البولندية أولغا توكارتشوك الفائزة بجائزة نوبل للآداب لعام 2018، عرضا مسرحيا يحمل نفسا احتجاجيا حادا. في إنتاج لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، تمثل مسرحية «جرّ محراثك فوق عظام الموتى» الإمارات العربية المتحدة في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية.
في قرية نائية محاطة بغابة وارفة تقطنها حيوانات برّية، تبدأ سلسلة من الجرائم الغامضة ضد الصيادين،
فيتصاعد التوتر الناجم عن ازدياد عمليات القتل، وتحدث مواجهة شرسة بين الإنسان والطبيعة. يمزج
المخرج مهند كريم السينما بالمسرح في سردية تتناول انتشار العنف ودوره في تشكيل معالم عالمنا الحالي، وأثره على الأجيال الحالية والقادمة. وفي قلب القصة، يتبدّى تساؤل مُلح: هل تشكّل الحيوانات تهديدا حقيقيا، أم أنّ قسوة البشر تجاهها هو ما أطلق العنان لدورة الانتقام؟
في الوقت الذي اعتاد فيه الإنسان أن يفتك بالحيوان أو أن يستفيد بلحمه وجلده وحتى عظامه... تنطلق المسرحية من حدث عكسي حيث تقتل الحيوانات البشر وتمزقها إربا إربا انتقاما من الإنسان الذي أذاها بأنانيته وجشعه ، وضيق عليها الخناق بسبب امتداد مدنه الخُرسانية.
منذ اللحظة الأولى، يبث العرض لدى المتلقي إحساسا بضيق العالم واتساع الألم. إذ تتحرك الشخصيات داخل فضاء يوحي بأنّ الحرية ليست سوى وهم، وأنّ الحضارة ليست سوى شكل من أشكال التوحش، وأنّ المجتمعات المعاصرة تبتلع الإنسان والحيوان معا.
تتمركز بؤرة العرض حول الحيوانات بوصفها ضحية ومُدانة في الوقت نفسه. فالمسرحية تُسائل علاقة الإنسان بالكائنات الأخرى، وتضع فرضية جريئة: ماذا لو انتفضت الحيوانات مطالبة بحقها؟ ماذا لو ثارت الطبيعة على عبث الإنسان بالتوازن البيئي؟ أليس الإنسان ككائن عاقل ومفكر هو الذي يستحق المحاكمة؟
على مستوى الكتابة الركحية، اهتم المخرج مهند كريم بتفكيك السرد وتوزيعه داخل الفضاء المسرحي، فلم يعتمد خطا حكائيا مستقيما، بل خلق شبكة من المشاهد السينمائية والمسرحية التي تتقاطع فيها الأصوات والرسائل. وكثيرا ما يتخذ العرض شكل الكولاج الفكري والبصري الذي يمزج بين الواقعي والرمزي، وبين السخرية السوداء والبعد الميتافيزيقي.
لئن اعتمدت السينوغرافيا على تقنية "الفيديو مابينغ"، فقط هيمن الفضاء القاتم على مجمل المشاهد، لتصبح الخشبة نفسها وكأنها "حظيرة" أو "قفصا" تتصارع فيه القوى ما بين الحيوان والإنسان، ما بين الإنسان نصير الحيوان والإنسان عدو الحيوان.... وقد أكدت الإضاءة الباردة حالة القسوة، بينما لعبت الموسيقى دورا دراميا يعمّق الإحساس بالتيه والعبث والخطر.
في النهاية، يدعو عرض «جرّ محراثك فوق عظام الموتى» المتلقي للتفكير ومحاولة الإجابة عن الأسئلة المعلقة: من يملك الحق في الحياة؟ ومن يقرّر مصير الآخر؟ وهل نحن البشر "أفضل" من الكائنات /الحيوانات التي نستهين بها؟