شخصيات متشنّجة تتحرّك في المشهد جيئة وذهابا، زوج يتحدّث في الهاتف مع زوجته طالبا منها العودة بإلحاح، ندرك فيما بعد أنه صاحب السيرك (الذي تهدّم بالكامل نتيجة انفجار قنبلة في حرب طاحنة)  الرجل المسحوق المنهزم الذي هجرته زوجته بعدما تمّ اغتصابها من قبل ضابط خلال التحقيق معها في مسألة نجهلها، على الجانب الآخر من الركح روائي يتحدّث مع شخص ما، تدخل بعدهما الزوجة الهاربة وتمعن في وصف مغتصبها وحديثه الشبقي وأسلوبه الفجّ في استغلال سلطته لقهر وسحق المواطنين الأبرياء. في مشهد آخر تلتقي الزوجة بالروائي العجوز الذي أحبّها في زمن مضى عندما كانت ممثّلة مشهورة اشتغلت على روائع شكسبير ويقودنا المشهد والحديث المتبادل بينهما إلى ذلك المجد البعيد الذي تقتات على اجترار ذكرياته بحماس البدايات وينتهي الحديث إلى الزوج الذي قتل كلبها (صديقها الوحيد في عتمة حاضرها) لأنه تجرّأ ونبح في وجه الضابط، اما الروائي الذي أصيب بعقم الكتابة لفقدان فحولته نتيجة العجز والإحباط المخيّم على المدينة... شخصيات معطوبة مهزومة بفعل انهيار القيم الإنسانية والمنظومة الاجتماعية بسبب فساد السلطة وتدخّل أطراف خارجيّة نسفت كلّ مظاهر البهجة، شخصيّات لم يبق لها سوى الذكريات التي تستحضرها بمرارة في ركام سيرك كان شاهدا على الحياة فصار خرابا ومرتعا للهوام، وتلك حالة كلّ الشعوب المسحوقة تحت أقدام سلطة غاشمة لا تحترم مثقّفيها ومبدعيها ومفكريها لأنها تورّطت في نرجسيّتها وإدمانها على عشق الكراسي.

"سيرك" جواد الأسدي الغير مُعرّف مكانيّا وزمنيّا هو سيرك الحياة الكبير الذي يوجد في جل بلداننا العربيّة التي كابدت انكسارات متتالية وإحباطات انعكست على نفسيّة شعوبها.

نصّ كُتب بعمق وبلغة عربية مكثّفة ومختزلة موغلة في الدلالات وملغّمة بالرموز تدعو الجمهور بصفة مباشرة للتأمّل في ذواتهم وتاريخهم الإنساني تماما كما تستحضر شخوص الأسدي ماضيها بذلك الهذيان والألم العميق.

قام بأدوار "سيرك" كل من شذى سالم وعلاء قحطان وأحمد الشرجي.